نص البحث:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين
شكر وثناء
« من لا يشكر النّاس لا يشكر الله »
قبل البدء بهذا البحث علينا توجيه الشكر والثناء إلى القائمين على جامعة طرابلس وخصوصاً على دبلوم التربية لأنهم فتحوا الآفاق للمعلّمين والإداريين وأتاحوا لهم فرصة متابعة هذه الدروس القيّمة والمهمة. وشكر خاص للأستاذ الدكتور صلاح عبد السميع الذي استطاع خلال شهر من الزمن توصيل مادة تحتاج إلى سنة دراسية وساهم في تقديم مادة تربوية تعليمية كان لا بدّ منها لكل مربّ وإداري عسى أن يكون ذلك خطوة واسعة في التقدم التربوي والثقافي لمجتمعنا العربي والإسلامي وأن يكون ذلك كلّه في ميزان حسناته.
آميـــن
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله ربّ العالمين، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على رسول الله نبيّنا وسيدنا ومعلمنا الأول محمدٍ، وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فإنّ بناء الأمم يقوم على التعليم، فهو الوسيلة الأساسية لتكوين الأبناء في كلّ المجالات والمستويات. ولكي يكون بناء الإنسان كاملاً ومتوازناً، فلا بدّ من شموليّة التعليم الذي يُعَلّم للأبناء، فيبدأ بترسيخ العقيدة وبالتربية الإيمانية العميقة، وبإكسابهم الأخلاق الحسنة، وبتزويدهم بالمهارات والخبرات التي تتلاءم مع العصر الذي يعيشون فيه ليساهموا في التطور والتقدم مع المحافظة على هويتهم الدينية والأخلاقية.
ولا بدّ أيضاً من تعريف الأبناء بتراث الأمّة التي ينتمون إليها وبثقافتها في كلّ مناحي الحياة... والذي سيقوم بعملية التعليم هذه هو المعلم، وذلك بالقيام بدوره كما ينبغي وكما يُراد منه.
لذلك كانت شخصية المعلم ولا زالت وستظل محط اهتمام التربويين المهتمين بالارتقاء بالعملية التعليمية، فالمعلم الذي يمتلك بعض الخصائص والصفات الشخصية والوظيفية المتميزة هو المعلم الذي يقدر على بناء الإنسان بناءً شمولياً متكاملاً.
والفصل الأول من هذا البحث سيتناول شخصية المعلم في الواقع المعاش في المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة ومدارس "الأونروا" UNRWA التابعة للأمم المتحدة وهي خاصة بالفلسطينيين في لبنان، (هذه المدارس في لبنان الشمالي منطقة البحث).
أما الفصل الثاني فسيتناول شخصية المعلم المتميز الفعّال وذلك من خلال رؤية العلماء التربويين العرب والمسلمين والغربيين.
وسيفرد الفصل الثالث لشخصية الرسول المعلم وذلك من خلال القرآن الكريم والسنّة المطهرة وسيُختم هذا البحث ببعض التوصيات التي تساعد في إعداد المعلم المتميّز.
حول مشكلة البحث
الإحساس بالمشكلة:
مع كثرة المؤسسات التعليمية، ,إقبال النّاس على التعلم، إلاّ أنّ نواتج التّعلم المرجوّة في المتعلمين تكاد تكون مفقودة، وتلعب شخصية المعلم دوراً هاماً وكبيراً في تحصيل هذه النواتج والمتمثلة بزيادة المعارف والخبرات والمهارات وتنمية الشخصية لدى المتعلم وتعديل سلوكه، وإكسابه ثقافة دينية واجتماعية واسعة وغير ذلك أو تكون سبباً هاماً في فشل الطالب من تحصيلها.
فالخلل الحاصل في شخصية كثير من المعلمين، إنْ في السمات الشخصية، أو في الخصائص الوظيفية، تعاني منه كل المؤسسات التعليمية وبالتالي ينعكس سلباً على شخصية المتعلم.
تحديد المشكلة:
هذا البحث يحاول الإجابة على الأسئلة التالية:
2- ما سمات المعلم في الواقع المعاش في المؤسسات التعليمية؟ (شخصية ووظيفية).
3- ما السمات التي يجب أن تتوافر في المعلم، في المؤسسات التعليمية؟ (شخصية ووظيفية).
4- ما السمات المتميزة في الرسول المعلم ؟
أهميّة البحث:
تنبع أهميّة هذا البحث من أمور عدّة:
1- أنه ينبغي إعداد المعلم إعداداً كافياً ليؤدي رسالته التعليمية والتربوية بشموليّة كاملة.
2- أنه على المعلم أن يعي خطورة وأهمية وسمو عمله وبالتالي يعمل على الارتقاء بشخصيته وبالتالي بعمله.
3- أنّ المتعلم يتأثر بمعلمه فيسلك مسلكه، ويحمل فكره.
4- أنّ المرجُوَّ من المعلم أن يُشكل من المتعلم شخصية إنسانية متكاملة مهارياً ومعرفياً ووجدانياً.
5- أن مواكبة العصر في التطور التكنولوجي واستخدام الوسائل الحديثة في التعليم تحتاج إلى معلم يواكب هذا التطور.
حدود البحث :
يستهدف هذا البحث:
1- تسليط الضوء على شخصية المعلم في المؤسسات التعليمية لتحديد الخلل في هذه الشخصية.
2- ثمّ يعرض معايير شخصية المعلم المتميز من خلال رؤية علماء التربية العرب والعلماء الغربيين، ثمّ رؤية علماء التربية المسلمين.
3- ويعرض أخيراً شخصية الرسول كمعلم أول ومتميز نَشَّأ أجيالاً من الصحابة متميزين.
منهج البحث :
منهج هذا البحث هو المنهج الوصفي الذي يعتمد على وصف حالة في الحاضر من خلال الملاحظة والمقابلة والتجربة.
أما الملاحظة فكانت بمراقبة بعض السلوكيات لبعض المعلّمين في حصصهم، والمقابلة كانت بتوجيه أسئلة إلى بعض المسؤولين الإداريين وبعض المدرسين والطلاّب في المدارس الرسمية والخاصة ومدارس الأونروا. أما التجربة فهي شخصية في مدرسة ثانوية كإدارة وإعدادية كإشراف تربوي وفي معهد شرعي ومدرسة ثانوية كمدرس أو مدرّسة.
وبعد تسجيل الملاحظات والمقابلات والتجارب وضعت بشكل وصفي ولم توضع أسماء أشخاص محافظة على مواقعهم ومراكزهم.
تعريف المفاهيم :
■ المعلم : لغة من يتخذ مهنة التعليم.
المعلم في القرآن الكريم:
1- الله عزّ وجلّ أول معلم للإنسان، علّمه العلم اللّدنّى فأسجد الملائكة له ولعلمه:
وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ [البقرة: 3].
2- الله علّم الإنسانَ القرآن فبدأ باسمه ثمّ بتعليمه ثمّ بخلقه ثم كرر علمه:
الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن: 1-4].
3- لولا الله عزّ وجلّ المعلم العظيم لما تعلّم الإنسان:
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 4-5].
4- المعلم يعلم الأدب والرشاد:
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [الكهف: 66].
5- المعلم يُعلم الكتاب بعد أن يكون قد تعلّمه وطبّقه:
وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران: 79].
6- المعلم التقي يؤتى الحكمة من الله:
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 282].
7- المعلم يمتلك ملكة الفهم والإدراك:
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت: 43].
8- المعلم يخشى الله ويخلص في علمه ولا يخفيه:
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28].
■ المتميز لغة: من امتاز الشيء: بلا فضله على مثله.
ومن المَيْز : الرّفعة
المعلم في القرآن الكريم:
1- البروز كفارق ووضوح:
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ
[آل عمران : 179].
2- الظهور والتفوق:
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ [الأنفال : 37].
3- العلامة الفارقة:
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [يس : 59].
■ الواقع لغة: من وقع: أي حصل.
الأمر الواقع : الأمر الحاصل.
■ المُرتجى لغة: من رجّاه أمّله وترجاه.
والترجي : ارتقاب شيء محبوب ممكن.
المُرتجى : المرتقب حصوله.
الفصــل الأول
سمات المعلم في واقع المؤسسات التعليمية، الحكومية والخاصة ومدارس الأونروا
من خلال إجراء بعض المقابلات مع بعض مدراء هذه المؤسسات التعليمية، وبعض المنسقين والمشرفين التربويين، وبعض الطلاب والمعلمين، ومن خلال التجربة الشخصية مع بعض هذه المؤسسات، سُجلّت هذه النتائج.
المبحــث الأول
المعلـم فـي المدارس الحكوميــة
1- تشكو أكثر المدارس من الفراغ الإداري، فالإدارة حاضرة غائبة وإنْ حضرت.
2- لا توجد رقابة ذاتية ولا رقابة إدارية على المعلم، لذلك يندر وجود المعلم المخلص.
3- أكثر المدارس غير مُجهزّة تجهيزاً كافياً ممّا يعيق عمل المعلم.
4- معلمو اللغة العربية يكثرون من اللهجة العامية في شرح الدرس وفي مخاطبة الطلاب.
5- معلمو اللغة الأجنبية يتحدثون باللغة العربية أثناء الدرس.
6- لوحظ أنّ عدداً من المعلمين القُدامى لم يتطوروا مع التطور الحاصل في العملية التعليمية والتربوية.
7- المعلم القدوة والمعلم المثل الأعلى يفتقده الطلاب.
8- لم يُلاحظ أيّ توظيف للتربية الإسلامية ولا للدين الإسلامي في العملية التربوية والتعليمية.
9- عدد قليل من المعلمين يتقنون استعمال الكمبيوتر والانترنت.
10- معظم المدارس لا يوجد فيها أجهزة كمبيوتر، وإن وُجد فجهاز واحد فقط.
11- الدورات التربوية التي تساعد في رفع المستوى التعليمي للمعلم قليلة جداً. فقط بعض الدورات الخاصة بالمنهجية الحديثة خضع لها معظم المعلمين ولا تفي بالغرض.
12- لم يُلاحظ مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين من المعلم، بل لوحظ نوع من التمييز بين الطلاب لأسباب مختلفة من بعض المعلمين.
المبحــث الثانـي
المعلــم فـي المدارس الخاصــة
كانت النتائج في المدارس الخاصة (محل الدراسة ) على الشكل التالي:
1- أكثر المعلمين لم يخضعوا لدورات تعليمية وتدريبية في طرق التدريس.
2- الدورات التربوية قليلة جداً، وتكاد تنعدم في بعض المؤسسات.
3- لوحظ أن بعض المعلمين غير مؤهلين للعملية التعليمية من جهة التخصص العلمي... وإنما تمّ تعيينهم بكفاءات قليلة ليتقاضوا أجوراً قليلة.
4- بدا وجود فجوة بين المعلمين منسقي بعض المواد وخاصة اللغة الأجنبية، وظهر رفض المعلمين التجارب مع التوجيهات والإرشادات بحجة عدم كفاءة المنسق.
5- الشكوى شبه عامة عند المعلمين من أنّ الإدارة المدرسية تستنـزف طاقاتهم ولا تقدر جهودهم، وتستغل أوقات الفراغ وأيام الإجازات لمصلحتها.
6- الطالب أهم من المعلم عند أكثر الإدارات لأنه مصدر للكسب المادي.
7- كانت سمة التسلط واضحة عند إدارات هذه المؤسسات مما أوجد فجوة وجفاء في العلاقة بين الإدارة والمعلمين.
8- الإدارة التربوية في أكثر المدارس ضعيفة، ووصفها بعض المعلمين بالإدارات الفاشلة وغير المؤهلة.
9- المعلم يؤدي عملاً ووظيفة يعيش منها، ويندر المعلم الذي يؤدي عمله على أنّه رسالة سامية وعظيمة.
10- علاقة المعلمين بالطلاب يغلب عليها التسلط والتذمر معاً.
11- توظيف المادة التعليمية في التربية الإيمانية والخلقية لم يُلاحظ في المدارس الإسلامية.
المبحـث الثالـث
المعلــم فـي مدارس الأونـروا
مدارس الأونروا، مدارس أُسست من قِبَل الأمم المتحدة لتشغيل وتعليم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ عام 1948م ورئاستها في فيينا. وهذه المدارس لها منهجها التعليمي الخاص ولها منهجيتها التربوية.
ويتم اختيار المُدرسين فيها وتعيينهم بعد تدريبهم في دارٍ للمعلمين خاصة بالأمم المتحدة في منطقة "سبلين" جنوبي لبنان، أو ممّن تخرجوا من الثانويات والجامعات، وهؤلاء يخضعون لدورات تربوية مكثفة فـي مدينـة بيـروت، وكانـت النتائج في هذه المدارس (التي خضعت للبحث) على الشكل التالي:
1- ظهر التقصير في تطبيق المنهجية الجديدة لنقص الكفاءة عند كثير من المعلمين، فالتأهيل ليس كافياً.
2- اشتكى المعلمون من اكتظاظ الصفوف بالطلاب في كل المراحل-الابتدائية والمتوسطة-مما يعيق مشاركة أكثر الطلاب ويؤثر على ضبطهم وانضباطهم.
3- أجمع الطلاب على أنّ العلاقة مع المعلمين غير جيدة، لاستعمال بعضهم التوبيخ الجارح والألفاظ غير اللائقة لعقاب المقصرين في الدروس أو المشاغبين.
4- التواصل بين المعلم و أولياء أمور الطلاب مفقود، وهذا التقصير يتحمله المعلم والإدارة وأولياء الأمر أنفسهم.
5- لوحظ أنّ الطلاب لا يُكِنّون الاحترام لمعظم المعلمين ويَعزون ذلك للمعلم نفسه فهو شارحٌ للدرس وملقن ولا يقوم بدوره كمربٍ.
6- عدم توافر الوسائل التي تساعد المعلم في تطبيق المنهجية الحديثة-المختبرات-أجهزة الكمبيوتر...
7- منهجية أكثر المعلمين بعيدة عن المنهجية الإسلامية، ولم يُلاحظ توظيف المادة التعليمية في التربية الإيمانية والخُلقية...
8- المعلمون الجدد تنقصهم الكفاءة العلمية والمتابعة والتوجيه المطلوب.
9- لوحظ أنّ بعض المعلمين الجدد كفاءتهم عالية، وشخصيتهم متميزة وأداؤهم ذو منهجية تربوية إسلامية، يوظفون مادتهم التعليمية أحسن توظيف ليصلوا بالطلاب إلى المُرتجى منهم (ولكنهم قلّة قليلة).
الفصــل الثانــي
رأي التربويين العرب والغرب والمسلمين في سـمات المعلم المتميّز
المبحــث الأول
سـمـات المعلــم عنـد التربوييـن المعاصرين
الدراسات التربوية في العالم المعاصر، أشارت إلى وجود علاقة إيجابية بين امتلاك المعلم لعدد من الصفات الشخصية والوظيفية ومدى فاعليته التعليمية، وأهم هذه الصفات والخصائص:
1- الرغبة في التعليم:
الرغبة في التعليم تولد الحب والدافعية وتوفر الاستعداد الذي يضمن الحماس للعملية التعليمية، ومن ثمّ يضمن الحافز لتطوير القدرات العلمية واكتساب الثقافة الواسعة. والرغبة في التعليم تدفع المعلم إلى أداء عمله كمهنة إنسانية ورسالة سامية يجب القيام بها على أكمل وجه.
2- الالتزام بمتطلبات مهنة التعليم:
الالتزام بمتطلبات مهنة التعليم يحقق أهداف التعليم ونواتجه المرجوة في المتعلمين، ويؤدي إلى إنتاج تعليم منتظم ومؤثر وهادف. ويُشجع المعلم على التجديد والابتكار لتطوير العملية التعليمية.
3- الذكاء المناسب:
يتطلب التعليم معلماً ذكياً ليقدر على تشكيل الشخصية الإنسانية المتكاملة للطالب. فالمعلم الذكي هو القادر على القيام بالعملية التعليمية التربوية المتكاملة كالتعليم والتوجيه ومعالجة المشاكل وحلها وإدارة الصّف، وكسب احترام الطلاب ومحبتهم... إلخ.
4- المعرفة الكافية:
قسّم العلماء التربية كفايات المعلم المعرفية إلى خمسة أنواع:
أ)معرفة عامة في أنواع العلوم ومبادئها.
ب) معرفة خاصة بالمادة التي يُعلمها. فالتمكن من المادة العلمية يُمكن من صياغة أهدافها
ويُمكن من توصيلها مما يجعله معلماً ناجحاً في التعليم.
ج) معرفة طرق التعليم ووسائله: يحتاج المعلم إلى المعرفة التربوية المهنية التي تؤهله للقيام بالتعليم الفعال، فالجهل بطرق التعليم النظرية والعلمية يعني الجهل بالعملية التعليمية الناجحة والفشل في القيام بها.
د) معرفة الطلاب الذي يعلمهم: وهذه المعرفة مهمة لاختيار الأساليب التعليمية المناسبة وللمساعدة في حل مشاكلهم وتوجيههم ومراعاة الفروق الفردية بينهم.
هـ) معرفة المعلم لذاته: المعلم الفعّال هو الذي يعرف قدراته وإمكاناته، لأن هذه المعرفة تساعده إتباع طرق تعليمية واختيار وسائل تتلاءم معه.
5- الصحة الجسمية والعقلية:
الصحة الجسمية تساعد على حيوية المعلم أمام طلابه. والصحة العقلية تعني الاتزان وضبط الانفعالات والتحكم في العواطف والمشاعر في التعامل مع الطلاب والإدارة وأولياء الأمور، مما يحفظ للمعلم مكانته وصورته المشرفة عند الجميع.
6- المظهر المناسب:
المظهر الحسن للمعلم ينعكس إيجاباً على تقبل التلاميذ له. فالعناية الجيدة بالثياب والنظافة العامة والرائحة الطيبة للمعلم تحبب الطلاب به وتُقربهم منه، على أن لا يُفرط في العناية أو في الإهمال فهذا يُعرّضه لسخرية الطلاب وتهكمهم.
7- المهارة في العلاقات الاجتماعية:
المعلم الناجح هو من يحافظ على العلاقة الإيجابية الفعّالة والمتعاونة والإنسانية مع كل أفراد المجتمع المدرسي الذي يعيش فيه من معلمين وإداريين وطلاب وعمال وعاملين.
8- الصوت الواضح المسموع:
الصوت الواضح والمسموع من أهم أسباب التفاعل بين المعلم وطلابه، فشرح الدرس والحوار مع الطلاب يجب أن يكون بصوت واضح مسموع، ويجب على المعلم أن يُغيّر من نبرة صوته بما يتناسب مع الموقف أو الكلام.
9- العدل في معاملة الطلاب:
نجاح المعلم مع طلابه وكسب ثقتهم واحترامهم مرهون بمعاملته العادلة لهم. فلا ينحاز لأهوائه ونزعاته الشخصية.
10- الصبر:
الرسالة التعليمية التربوية تتطلب معلماً يتحلى بالصبر والحِلم وطول البال، فهو يتعامل مع مستويات عقلية مختلفة ومستويات اجتماعية وأخلاقية متفاوتة من إداريين وطلاب وأولياء أمور.
11-الإخلاص والحماس لمهنة التعليم:
الإخلاص في أي عمل يعني الجودة في هذا العمل. فالإخلاص في التعليم هو الذي تتميز به الكفاءة العلمية والقدرة المهنية بين معلم وآخر.
فإخلاص المعلم لمهنته تدفعه لتحمّل المتاعب وإلى الحماس الذي يؤدي إلى الجودة في العملية التعليمية.
12- الإطلاع الدائم والتعلم المستمر:
المعلم الناجح هو الذي يُطور نفسه بالتعليم الدائم والإطلاع المستمر على كل جديد في مهنة التعليم وما يتعلق بها.
فالتطور التكنولوجي انعكس على العملية التعليمية، وبات المعلم المعاصر مطالباً بتطوير نفسه وأساليبه التعليمية.
(التربية والمدرسة والمعلم – قراءة اجتماعية ثقافية د. السيد سلامة الخميس- دار الوفاء الإسكندرية) بتصرف
المبحـث الثالـث
سـمات المعلم عند علماء التربية العرب في العصر الحديث
خلُصَت الكتابات والدراسات العربية حول سمات وواجبات المعلم إلى ما يلي:
1- إعداد الدرس إعداداً جيداً.
2- الدقة والنباهة.
3- العناية بالمظهر الحسن.
4- الذكاء المناسب لمهنة التعليم.
5- الخُلق الحسن.
6- حب مهنة التعليم وأداؤها كرسالة.
7- احترام الطلاب والمساعدة في حل مشاكلهم.
8- استخدام الوسائل التعليمية بشكل جيّد وبأساليب علمية.
9- الصحة الجسمية والعقلية.
10- القدرة على التحمل وضبط النفس.
11- الابتكار والتجديد.
12- احترام القوانين الدراسية.
13- العدل بين الطلاب والموضوعية في معاملتهم.
14- الصدق في القول والعمل، مع الذات ومع الآخرين.
15- المرونة والمرح.
16- الابتكار والتجديد.
17- التخطيط الجيد لكافة الأنشطة.
18- التمكن من المادة الدراسية.
(انظر كتاب: "دليل التربية العلمية وإعداد المعلمين". د. فايز مراد دندش – د. الأمين عبد الحافظ، دار
الوفاء-الإسكندرية ، ص(56-57-58) )
المبحـث الرابــع
سـمات المعلم عند علماء التربيـة الغـرب
1- القدرة على التكيف مع الآخرين.
2- التعاون مع الزملاء في العمل.
3- الثقافة العالية.
4- المظهر المناسب والنظافة الدائمة.
5- الإخلاص في العمل والحماس والدافعية له.
6- اليقظة الدائمة بالتعامل مع الطلاب.
7- الدّقة.
8- الطموح والتجدد والمثابرة في العمل.
9- محبة الطلاب والتعاطف معهم.
10- القيادة والثقة بالنفس والحزم مع التلاميذ.
11- الاستقرار العاطفي.
(انظر كتاب: "دليل التربية العلمية وإعداد المعلمين " د. فايز مراد دنش و د. الأمين عبد الحافظ دار الوفاء – الإسكندرية)
المبحـث الخامـس
سـمات المعلم عند علماء التربيـة المسلمين( )
1- الرحمة والشفقة
2- التمكن من المادة العلمية.
3- القدرة على التعليم.
4- المحافظة على وقت الطالب.
5- النصح والإرشاد والتوجيه للطالب.
6- القدوة الحسنة بحيث يطابق القول الفعل.
7- البعد عن الخبائث والرذائل.
8- العدل في معاملة الطلاب.
9- النزاهة في العمل.
10- الإخلاص في العمل.
11- زجر المعلم على سوء الأخلاق.
12- الصبر والتواضع وحُسن الخلق مع المتعلم.
13- تعويد المتعلم على الأخلاق الفاضلة.
14- ترغيب المتعلم وتحفيزه على التعلم.
15- استخدام وسائل الإيضاح.
16- السكينة والوقار.
17- اللطف مع المتعلم.
18- الشفقة في التعامل مع المتعلم.
19- التوجه بالعمل لله سبحانه وتعالى.
20- التمكن من المادة العلمية.
21- الاتجاه الديني.
الفصــل الثالـــث
الرســول المعلــم
لقد منح الله عزّ وجلّ رسوله الكريم علماً لم يمنحه أحداً من البشر، وربّاهًُ تربية، جعلت منه عليه الصلاة والسلام أكمل البشر. قال تعالى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء: 113].
فكان عليه الصلاة والسلام المعلم الأول، بشخصية فريدة جمعت العلم والخُلق والأسلوب المتميّز، فاستطاع أن يُربي جيلاً متميّزاً من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
المبحــث الأول
الرســول المعلــم المعلـم الأول
لقد أثبت القرآن الكريم أنّ محمداً بُعث رسولاً معلماً:
قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الجمعة: 2].
كما أثبتت السنّة المُطهرة ذلك:
قال النبيّ : " إنّ اللهَ لم يبعثني مُعنّتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني مُيسراً"
(رواه مسلم 81:10) في كتاب الطلاق.
وقد تجلّت شخصية المعلم المتميّزة في الرسول من خلال ما تميّزت به سمات ظهرت في خلقه وعلمه وسلوكه.
المبحــث الثانـي
سـمات الرســول كمعلـم
تميز الرسول بسمات جعلته بحق المعلم الأول ومن أهم الخصائص في شخصيته عليه الصلاة والسلام:
1- الخلق الحسن:
قال تعالى يصف أخلاق الرسول : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4].
فكان خلقه القرآن يهتدي بهديه ويعمل فق أحكامه والخلق العظيم للنبي تتجلى في الصفات الآتية:
■ الرحمة والرفق واللين:
لقد كان عليه الصلاة والسلام من الرأفة والرحمة وترك العنت وحب اليُسر، والرفق بالمتعلم، والحرص عليه وبذل العلم والخير له في كل وقت ومناسبة، كان بالمكان الأسمى والخُلق الأعلى، فالرحمة والرفق واللين من أهم سماته: قال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128].
عن الحسن بن علي قال: قال الحسين بن علي: سألت أبي-علي بن أبي طالب-عن سيرة النبيّ في جلسائه فقال:
"كان رسول الله دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يُؤيِس منه راجيه، ولا يخيب فيه. لقد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه. إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ. حديثهم عنده حديث أولهم. يضحك مما يضحكون ويتعجب مما يتعجبون منه.
ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم. ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجور فيقطعه بنهي أو قيام.
وكان يعطي كل واحد من جلسائه وأصحابه حقه من الالتفات إليه والعناية به حتى يظن كل واحد منهم أنه أحبّ الناس إلى رسول الله " ( ).
■ الكفاءة العلمية للرسول :
قال تعالى مخاطباً نبيّه الكريم: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء : 113].
وقد برزت كفاءته العلمية في تعدد الأساليب التي اتبعها في التعليم وفي نشر الدعوة.
والقرآن الكريم حثَّ على النزول عند رأي الخبراء الأَكْفاء كلٍّ في مجاله:
قال تعالى: وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 14].
قال تعالى: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان: 14].
قال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ
مِنْهُمْ [النساء : 83].
وكذلك السنّة الشريفة ورد فيها ما يُؤكد هذا المعنى، فنرى سلمان الفارسي رضي الله عنه يشير على الرسول بحفر الخندق حول المدينة المنورة وذلك في غزوة الأحزاب، وقد ساهم هذا الخندق في إرهاب العدو ودبّ الفزع في نفوسهم.
المبحـث الثالـث
أساليـب الرســول التعليمية
تعددت الأساليب التعليمية للرسول عليه الصلاة والسلام، فقد كان يستعمل الأسلوب المناسب لكل موقف.
ومن هذه الأساليب:
- إثارة التفكير:
وهذا الأسلوب يفتقده أكثر المعلمين في تعليمهم. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " بينما نحن عند النبي جلوس، إذ أُتي بجمّار نخلة (الجمّار قلب النخلة وشحمها) فقال وهو يأكله: إنّ من الشجر شجرة خضراء، لَمَا ببركتها كبركة المسلم لا يسقط ورقها ولا يتحاتُّ (لا يتناثر) وتؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربّها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ ".
- أسلوب الحوار:
وذلك لإثارة الفكر والانتباه:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : " أرأيتم لو أنَّ نَهراً بباب أحدكم، يغتسل منه كلَّ يوم خمس مرّات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" (رواه البخاري 2 : 9) (ومسلم 5: 170).
- أسلوب المقايسة والتمثل:
روى البخاري عن ابن عبّاس أنّ امرأة من جهينة جاءت إلى النبي ، فقالت: إنّ أمي نذرت أن تحجّ، فلم تحجّ حتى ماتت، أفأحجّ عنها؟ قال: نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، فقال: اقضوا الله الذي له، فإنّ الله أحق بالوفاء."
(رواه البخاري 4 : 55)
- أسلوب استعمال الإشارة لتوضيح الكلام:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا، ثمّ شبَكّ رسول الله بين أصابعه" (رواه البخاري 5 : 72) ومسلم (16:139).
- استعمال الأمثال والتشبيه:
عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه قال:
قال النبي : " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمدهن فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقال: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولا بدّ لي من الماء، فإنّ أخذوا على يديه أنجوه ونجّوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم". (فتح الباري : 2955-296).
- استعمال الرسم في التعليم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
خطّ النبيّ خطاً مربعاً، وخطّ خطاً في الوسط خارجاً منه، وخطّ خطوطاً صغار إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط فقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، وهذا الذي هو خارجٌ أمله، وهذه الخطوط الصغار: الأعراض، فإنْ أخطأه هذا نهشه هذا وإنْ أخطأه كلها أصابه الهرم." (رواه البخاري: 11 -202).
- التعليم بالتدرج:
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنّ النبي بعث معاذاً إلى اليمن فقال: "إنّك ستأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب."
(البخاري : 3 : 357)
- التعليم بالمداعبة والممازحة:
كان النبي يُداعب المتعلمين ويمازحهم : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله يدخل علينا ولي أخ صغير يُكنى أبا عُمير، وكان له نغرٌ يلعب به فمات، فدخل عليه النبي ذات يوم فرآه حزيناً، فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نغره، فقال: يا أبا عمير ماذا فعل النُغير؟
(رواه البخاري 1 : 526 و مسلم 14 : 128)
- الكلام الواضح المتأني:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: " ما كان رسول الله يسرد كسردهم هذا ولكن كان يتكلم بكلام بين فصل (واضح) يحفظه من جلس إليه."
- الاعتدال في التعليم:
كان الرسول يُعلّم ويُذكّر ويراعي الاعتدال كراهية أن يملّ المتعلمون من الصحابة لأن ضجر المتعلم وملله يُفوت المقصود من العلم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي قال " يسروا، ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا." ( رواه البخاري : 1 – 163) و مسلم (12: 42).
وعن منصور عن شقيق أبي وائل قال: " كان عبد الله يُذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن-كنية عبد الله بن مسعود- إنّا نحب حديثك ونشتهيه، ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم فقال: ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهية أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان النبيّ يتخولنا بها مخافة السآمة علينا." (رواه البخاري : 1 – 163) ومسلم (163-164).
- مراعاة الفروق الفردية:
كان الرسول يراعي الفروق الفردية بين المتعلمين عند مخاطبتهم أو الإجابة على أسئلتهم. عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنّا عند النبيّ فجاء شاب فقال: يا رسول الله، أُقبّل وأنا صائم؟ قال: لا، فجاء شيخٌ فقال أُقبّل وأنا صائم؟ قال: نعم، فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله : " قد علمت لمَ نظر بعضكم ، إنّ الشيخ يملك نفسه" (رواه أحمد : 2 : 180).
يقول الشيخ د. يوسف القرضاوي في كتابه ( السنّة مصدر للمعرفة والحضارة) : "والمعلم الموفق هو الذي يُعطي كل إنسان-فرد أو جماعة- من العلم ما يُلائمه ويصلح له بالقدر الذي يصلح به، وفي الوقت الذي يتنفع به".
وكان معلم البشرية الأول-محمد -خير المراعين لهذا الجانب نظيراً وتطبيقاً ".
فقد اختلفت وصايا الرسول باختلاف الأشخاص الذي طلبوا منه الوصية، واختلفت الإجابة على السؤال الواحد باختلاف السائل. وكان يُكلّف الشخص بقدر ما يُطيق، ويَقبل بعض المواقف والسلوكيات من بعض الأفراد لا يقبلها من غيرهم.
وهذه بعض وصاياه لبعض من سأله قائلاً أوصني:
فقال لبعضهم: "قل آمنت بالله ثم استقم".
وقال لبعضهم: " لا تغضب ".
وقال لآخر: " اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
فكان يوصي كل واحد بما هو أحوج إليه.
وكان عليه الصلاة والسلام يُكرم كرماء القوم، ويداري سفهاءهم إذا ما دخلوا عليه تقريباً لهم واتقاء لسفههم.
وكان يُراعي أهل البادية من الأعراب ويغتفر لهم ما لا يغتفره لأصحابه، وكان يراعي طبائع أصحابه ومنازلهم فكان عليه الصلاة والسلام يُسوي ثيابه عند دخول عثمان رضي الله عنه، ولا يفعل ذلك مع أبي بكر وعمر ويقول: " ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة."
يقول ابن مسعود: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"
(رواه مسلم الفتح : ج1/ 225).
ويقول الإمام الغزالي: " إنّ من وظائف المعلم أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره أو يخلط عليه عقله".
- العدل والمساواة:
كان عليه الصلاة والسلام أكثر عدلاً ومساواة للمتعلمين في مجلسه.
عن علي رضي الله عنه قال: " كان يُعطي كل جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه" (الشمائل ، ص (212)).
- القدوة الحسنة:
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب: 21].
عن ابن إسحاق أن النبي بعث إلى عمرو بن العاص يدعوه إلى الإسلام، فقال:
" لقد دلني على هذا النبي الأمي: أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شرٍّ إلا كان أول تارك له، وإنه يغلب فلا يَسْطر، ويُغْلب فلا يهجر-أي لا يقول القبيح من الكلام-وأنه يفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي". انتهى. (الإصابة في تمييز الصحابة، (2: 339-340).
- التواضع للمتعلم والرفق به:
كان عليه الصلاة والسلام أشدّ تواضعاً للمتعلم، السائل منهم والضعيف في الفهم وأشد رفقاً به. عن أبي رفاعة العددي قال: " انتهيت إلى النبي وهو يخطب، قال: فقلت: يا رسول الله، رجلٌ غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه.
قال: فأقبل عليّ رسول الله ، وترك خطبته حتى انتهى إليّ، فأتى بكرسي حسبتُ قوائمه حديداً، قال: فقعد عليه رسول الله وجعل يعلمني مما علمه الله، ثمّ أتى خطبته فأتم آخره.
(البخاري في الأدب المفرد (ص 511 رقم 1164).
فالمربون والمعلمون هم أولى الناس بالرفق في تعاملهم مع المتعلمين ليبلغوا الغاية.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أنّ رسول الله قال لها: " يا عائشة! أرفقي، فإنّ الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلّهم على باب الرفق." وفي رواية : " يا عائشة عليك بتقوى الله عزّ وجلّ والرفق، فإنّ الرفق لم يكُ في شيء قط إلا زانه، ولم يُنزع من شيء إلاّ شانه."
(رواه مسلم 2594).
وفي رواية :"يا عائشة! إنّ الله يحبُ الرفق في الأمر كلّه." (سنن الترمذي ، 2701).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: " سمعت رسول الله يقول في بيتي هذا: "اللّهم من وليّ من أمرٍ أمّتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن وليّ من أمر أمَّتي شيئاً فرفق بهم فارفق به."
(صحيح مسلم (1828).
التوصيات
وبعد كلّ ما سبق نتقدم ببعض التوصيات علّها تكون مدماكاً قوياً في بناء صرح تربوي متقدم ومتميّز في عالم تسوده صراع الثقافات والحضارات:
إعداد المعلمين إعداداً يخولهم أداء رسالة العلم والتربية وذلك:
أ) بإخضاعهم لدورات تربوية مستمرة وبإطلاعهم على كل جيد في عالم التربية والمربين-وإخضاعهم لدورات في الكمبيوتر والإنترنت.
ب) اختيار المشرفين التربويين ومنسقي المواد وذلك حسب معايير تربوية وعلمية بالغة الدّقة.
ج) الإدارة المتميّزة تساعد في إعداد معلم متميّز. فالتوجيه السليم والتعاون الدائم بين الإدارة والمعلم والإشراف الجيّد من الإدارة على أداء المعلم والثواب لمن تميّز والعقاب لمن قصّر من المعلمين.
السعي الدؤوب من الإدارة للإفادة من كل جيد في عالم التربية وتوفير الوسائل الإيضاحية المختلفة لكل المواد التعليمية.
اختيار المعلم لكفاءته الكاملة وليس لأجره القليل وإعطائه الأجر الذي يكفيه مادياً ونفسياً.
معاملة المعلم معاملة إنسانية تليق بمنـزلته وتحافظ على كرامته؛ أي على الإدارة أن تكون إنسانية وأن تعطي الحرية للتعبير عن مكنونات النفس عند المعلم.
توظيف التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية وتدريب المعلمين في جميع القطاعات على تحويل الصف إلى مختبر.
لا بدّ للمعلم أن يحافظ على صحته ولياقته البدنيّة.
مشاركة المعلم في حل مشكلات التلاميذ بالاشتراك مع الأهل والإدارة.
أن يكون المعلم ذا كفايات عالية، أي معرفية ومهارية ووجدانية، فالثقافة العامة والخبرة العلمية تجعله قدوة ومحل احترام.
أهم من كل هذا وذاك أن يمتلك المعلّم المنهجيّة الإسلامية، أن يكون خلقه حسناً وسيرته عطرة، وله قدسيّة العالم عند مريديه.
إيجاد وحدات تدريب وتقويم في المدرسة تساعد المعلمين على أداء عملهم بكفاءة.
الخاتمة
في الحقيقة لا يمكن أن يختم موضوع المعلم وذلك بسبب التغيّرات التي تحدث بين الحين والآخر في عالم التربية والتعليم. ولكن لا بدّ من القول أنّ المعلم المتميّز يمكن أن يقود جيلاً إلى النصر في صراع الثقافات والحضارات وأن يغيّر الكثير من المعادلات. فهو قد تمرّس على ثقافته الحضارية التي يقبلها المجتمع، وتطوّر مع التقدم الحاصل في عالم العلم والاقتصاد والتربية.
المعلمُ المتميّز علمٌ ينير الطريق في الحاضر إلى المستقبل ويخلق روحاً جماعية توحّد جميع قطاعات المجتمع ويرفع من شأن أبنائها ويطوّر أُطره بحيث تتلاءم مع العصر وتتغلّب على مشكلات المجتمع، ويجعل الثقافة تنتقل من الجيل الناشئ إلى الجيل الذي يليه ليحافظ على الهوية والخصوصية وفوق كل ذلك، يتميّز المعلّم بغرس التربية الإسلامية في نفوس طلابه لأنه يراقب الله في أداء عمله ويتطلع إلى رضاه ودخول جنّته.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
1- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ط2 (1401هـ - 1981م).
2- صحيح البخاري – للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، البخاري ط3 – 1418.
3- صحيح مسلم – للإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206-261) ط1. دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان.
4- مختصر سنن الترمذي-اختصره وشرح جمله وألفاظه وعلق عليه د. مصطفى ديب البُغا. ط1 (1418هـ-1997م). اليمامة للطباعة النشر والتوزيع. دمشق-بيروت.
5- الأدب المفرد للإمام البخاري الحافظ بن إسماعيل (194هـ-256م). الناشر مكتب المعارف للنشر والتوزيع، الرياض ط1 (1419هـ-1998م) حققه وقابله على أصوله سمير بن أمين الزهيري.
6- الشمائل النبوية والخصائل المصطفوية: للإمام الحافظ محمد بن عيسى ابن سورة بن موسى بن الضّحاك أبي عيسى الترمذي (209ـ275هـ). تحقيق وتقديم فؤاد أحمد زمرلي. الناشر: دار الكتاب العربي، ط2 (1482هـ-1998م) بيروت – لبنان.
7- الرسول المعلم وأساليبه في التعليم: بقلم عبد الفتاح أبو غدة. الناشر: مكتب المطوعات الإسلامية بحلب ط2 (1417هـ-1997م). دار البشائر الإسلامية-بيروت-لبنان.
8- دليل التربية العلمية وإعداد المعلمين:
د. فايز مراد دندش ود. الأمين عبد الحفيظ. كليّة الآداب والعلوم أوباري ط1 (2003م). الناشر: دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر- الإسكندرية.
9- التربية والمدرسة والمعلم-قراءة اجتماعية ثقافية. د. السيد سلامة الخميس. الناشر دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر – الإسكندرية.
10- السنّة مصدر للمعرفة والحضارة. د. يوسف القرضاوي . ط2 (1418هـ-1998م) دار الشروق القاهرة-بيروت.
11- حول التربية والتعليم: بقلم أ. د عبد الكريم بكّار ، ط1 (1422هـ-2001م) دار القلم دمشق.